تعتبر الخرافة معتقداً وممارسة لا عقلانية، لأنها عبارة عن أوهام قائمة على مجرد تخيلات دون سبب علمي أو منطقي مبني على العلم و المعرفة و الواقع، لذا فهي أشبه بفلكلور تتوارثة الشعوب و المجتمعات و الأمم، فيصبح إرثاً - بل عبئاً - تاريخياً تتناقله الأجيال .
و توجد الخرافة في كل المجتمعات البشرية بلا استثناء، ولكن مع تفاوت في حجم الاستلاب و نسبة التأثير. نعم، قد تنتشر و تمدد الخرافة بغزارة في البيئات المنغلقة و المناخات المضطربة و التي لا تؤمن بالحقائق و الخبرات و التجارب، لكنها ايضاً “الخرافة “ قد تجذب لها الكثير من المؤيدين و المنتفعين من رموز الثقافة و العلم و الفكر.
قرأت في احدى المقالات التي كانت تحمل عنوان “من المسؤول عن كل هذه الخرافات؟” حيث رصدت عشرة خرافات طبية تلقى قناعة و رواجاً بين مختلف الأوساط و الطبقات المجتمعية و العلمية، وقد اثار المقال حفيظة الكثير من القراء فضلاً عن المتخصصين الذين كانت لهم بعض الآراء المختلفة و الانتقادات البناءة، و هذا امر رائع للغاية لأنه يشجع على ثقافة النقاش الهادف و الجدل الإيجابي و يغرس بذور التحرر من الفكر الواحد و اللون السائد.
و قد اعترف الكاتب في نهاية مقاله بأن تلك الخرافات الطبية ليست سوى مقدمة ذكية أو مدخل جيد لعالم أوسع و أهم و أخطر من الخرافات و الأساطير و الأكاذيب الكبرى التي تشكل وتسيطر و توجه أفكارنا و قناعاتنا و قراراتنا و أحكامنا في الكثير من تقاصيل حياتنا.
الخرافة مهما كان نوعها أو حجمها أو تأثيرها، تمثل خطراً حقيقياً على وعي و إدراك وحركة الشعوب و المجتمعات و الأمم، و لكنها تكون اكثر خطورة حينما تتحول الى مرض يفتك و ينخر في جسد تلك المجتمعات و الأمم، وذلك حين تعيق تنميتها و تقدمها و تعمق خلافاتها و انقساماتها و تتحكم في مستقبلها و مصيرها.
و من أهم الخرافات في حياتنا:
- أننا نحن على صواب دائماً، بل نحن الصواب بعينه، لأننا نملك الحقيقة و المعرفة الكاملة و الفهم الوحيد، وكل من يوجد خارج هذه الدائرة أو المحيط فهو بلا شك على خطأ. قد تكون فرداً أو جماعة أو طائفة أو فئة!
- أن الآخر يجب أن ينضوي تحت عباءتنا وفكرنا و قناعتنا، ولا يوجد أي مبرر أو سبب لأن يختلف عنا في فكره أو سلوكه أو معتقده !
- أننا نملك “الوصاية الكاملة” على الآخر الذي يوشك أن ينحرف عن “جادة الطريق”، لذا لا يفترض أن نتركه و شأنه يقرر حياته و مصيره!
- أننا الأقرب إلى الله من كل البشر، فقط لأننا ننتمي لفكر أو مذهب أو ثقافة ما، في حين أن الآخرين المختلفين معنا بعيدون كل البعد عن أوامر و تعاليم الله عز وجل!
- أننا بما نملك من تاريخ و حضارة و ثروات وقدرات، نتعرض لمؤامرة كونية كثيفة و مستمرة من الآخر الذي لا همّ له إلا سلبنا هويتنا و شخصيتنا و النيل من قيمنا و معتقداتنا!
- أن “الحق” له علاقة متلازمة مع “الزمن”، لذا كان الماضي بكل ما يحمله من أفكار و رؤى و تجارب ومعتقدات هو الأفضل!
الخرافات التي تسيطر على حياتنا كثيرة و كبيرة جداً، وهي بكل آسف تتمدد و تتفرع في كل تفاصيل حياتنا. قد يختلف البعض معي و الإختلاف لايفسد للود قضية.
السؤال الذي يبحث عن إجابة واقعية بعيدة عن الخرافة:
هل نُدرك حقاً بأننا نعيش في خرافات كبرى؟
Comments
Post a Comment