Skip to main content

خرافة ام حقيقة؟

تعتبر الخرافة معتقداً وممارسة لا عقلانية، لأنها عبارة عن أوهام قائمة على مجرد تخيلات دون سبب علمي أو منطقي مبني على العلم و المعرفة و الواقع، لذا فهي أشبه بفلكلور تتوارثة الشعوب و المجتمعات و الأمم، فيصبح إرثاً - بل عبئاً - تاريخياً تتناقله الأجيال .

و توجد الخرافة في كل المجتمعات البشرية بلا استثناء، ولكن مع تفاوت في حجم الاستلاب و نسبة التأثير. نعم، قد تنتشر و تمدد الخرافة بغزارة في البيئات المنغلقة و المناخات المضطربة و التي لا تؤمن بالحقائق و الخبرات و التجارب، لكنها ايضاً “الخرافة “ قد تجذب لها الكثير من المؤيدين و المنتفعين من رموز الثقافة و العلم و الفكر.

قرأت في احدى المقالات التي كانت تحمل عنوان “من المسؤول عن كل هذه الخرافات؟” حيث رصدت عشرة خرافات طبية تلقى قناعة و رواجاً بين مختلف الأوساط و الطبقات المجتمعية و العلمية، وقد اثار المقال حفيظة الكثير من القراء فضلاً عن  المتخصصين الذين كانت لهم بعض الآراء المختلفة و الانتقادات البناءة، و هذا امر رائع للغاية لأنه يشجع على ثقافة النقاش الهادف و الجدل الإيجابي و يغرس بذور التحرر من الفكر الواحد و اللون السائد.

و قد اعترف الكاتب في نهاية مقاله بأن تلك الخرافات الطبية ليست سوى مقدمة ذكية أو مدخل جيد لعالم أوسع و أهم و أخطر من الخرافات و الأساطير و الأكاذيب الكبرى التي تشكل وتسيطر و توجه أفكارنا و قناعاتنا و قراراتنا و أحكامنا في الكثير من تقاصيل حياتنا.
الخرافة مهما كان نوعها أو حجمها أو تأثيرها، تمثل خطراً حقيقياً على وعي و إدراك وحركة الشعوب و المجتمعات و الأمم، و لكنها تكون اكثر خطورة حينما تتحول الى مرض يفتك و ينخر في جسد تلك المجتمعات و الأمم، وذلك حين تعيق تنميتها و تقدمها و تعمق خلافاتها و انقساماتها و تتحكم في مستقبلها و مصيرها.


و من أهم الخرافات في حياتنا:

  • أننا نحن على صواب دائماً، بل نحن الصواب بعينه، لأننا نملك الحقيقة و المعرفة الكاملة و الفهم الوحيد، وكل من يوجد خارج هذه الدائرة أو المحيط فهو بلا شك على خطأ. قد تكون فرداً أو جماعة أو طائفة أو فئة!
  • أن الآخر يجب أن ينضوي تحت عباءتنا وفكرنا و قناعتنا، ولا يوجد أي مبرر أو سبب لأن يختلف عنا في فكره أو سلوكه أو معتقده !
  • أننا نملك “الوصاية الكاملة” على الآخر الذي يوشك أن ينحرف عن “جادة الطريق”، لذا لا يفترض أن نتركه و شأنه يقرر حياته و مصيره!
  • أننا الأقرب إلى الله من كل البشر، فقط لأننا ننتمي لفكر أو مذهب أو ثقافة ما، في حين أن الآخرين المختلفين معنا بعيدون كل البعد عن أوامر و تعاليم الله عز وجل!
  • أننا بما نملك من تاريخ و حضارة و ثروات وقدرات، نتعرض لمؤامرة كونية كثيفة و مستمرة من الآخر الذي لا همّ له إلا سلبنا هويتنا و شخصيتنا و النيل من قيمنا و معتقداتنا!
  • أن “الحق” له علاقة متلازمة مع “الزمن”، لذا كان الماضي بكل ما يحمله من أفكار و رؤى و تجارب ومعتقدات هو الأفضل!

الخرافات التي تسيطر على حياتنا كثيرة و كبيرة جداً، وهي بكل آسف تتمدد و تتفرع في كل تفاصيل حياتنا. قد يختلف البعض معي و الإختلاف لايفسد للود قضية.

السؤال الذي يبحث عن إجابة واقعية بعيدة عن الخرافة: 

هل نُدرك حقاً بأننا نعيش في خرافات كبرى؟

Comments

Popular posts from this blog

لماذا تحدث أمور سيـئة لأشخاص طيبين؟

كنت في احد المجالس و كان الحديث يدور حول  شيء سيء اصيب أحد الأصدقاء، و الكل بداء يشق طريقة في التفكير، إختلفت وجهات النظر. حينها، طرح أحد الحضور سؤال قد يتردد في عقول الكثير من الناس " و مشكلة محيرة اذا اعتقد البعض انها حقيقة" . لكن دون أن يتوقف أحد  في التمعن للاجابة على هذا السؤال   لماذا تحدث أمور سيـئة لأشخاص طيبين؟ لقرون طويلة، ظل الناس يكافحون ليحصلوا على إجابة هذا السؤال العسير… لقد تم تأليف الكتب من أجل استكشاف هذا السؤال الصعب. بعض الناس ابتعدوا عن الدين لأنهم لم يجدوا إجابة شافية له.البعض الآخر اختار أن يضع ثقته في الله وفي أنه سبحانه لديه تدبير لكل شيء و في أنهم قد يفهمون حكمة الله من مجريات الأمور في يوم ما. و اختار البعض الآخر أن يبحثوا عن الجانب الجيد من كل معاناة و أن يتحلوا بالتفاؤل و الشجاعة و الإيمان. و لكن خلال كل المصارعة الذهنية و العاطفية التي يجب أن يمر بها الإنسان عند مواجهة الواقع، تظل الحقيقة هي أن الأشياء السيئة تحدث للأشخاص الطيبين! قال رابي هارولد إس.كوشنر  « الإله الذي أؤمن به لا يرسل إلينا المشكلة؛ و إنما يمنحنا القوة للتكيف

لماذا يستصغر المرء من شأن نفسه و يستهين بها ؟!

  لماذا لا نضع لأنفسنا أهدافاً في الحياة ، ثم نعلن لذواتنا وللعالم أننا قادمون لنحقق أهدافنا ، ونغير وجه هذه الأرض ـ أو حتى شبر منها ـ للأفضل ؟ شعور رائع ، ونشوة لا توصف تلك التي تتملك المرء الذي يؤمن بدوره في خدمة البشرية ، والتأثير الإيجابي في المجتمع .  ولكن أي أهداف عظيمة تلك التي تنتظرنا ؟  سؤال قد يتردد في ذهنك ، وأجيبك ـ وكلي يقين ـ ، بأن كل امرئ منا يستطيع أن يجد ذلك العمل العظيم الرائع ، الذي يؤديه للبشرية.  إن مجرد تعهدك لنفسك بأن تكون  إنسان صالحاً ، هو في حد ذاته عمل عظيم ، تنتظره البشرية في شوق ولهفة.  أدائك لمهامك الوظيفية ، والاجتماعية ، والروحانية ، عمل عظيم ، قل من يؤديه على أكمل وجه.  العالم لا ينتظر منك أن تكون آينشتين آخر ، ولا أديسون جديد ، ولا ابن حنبل معاصر ، فلعل جملة مهاراتك ومواهبك لا تسير في مواكب المخترعين وعباقرة العلم ، لكنك أبدا لن تُعدم موهبة أو ميزة تقدم من خلالها للبشرية خدمات جليلة.  يلزمك أن تُقدر قيمة حياتك ، وتستشعر هدف وجودك على سطح هذه الحياة ، كي تكون رقما صعبا فيها.  وإحدى معادلات الحياة أنها تعاملك على الأساس الذي ارتضيته لنفسك ! فإذا كانت نظر

لماذا تريد تغيير العالم ؟

دعني أسألك: “لماذا تريد تغيير عالمك؟” في كل مرة نحاول فيها أن نغير ما يجري حولنا، سواء كان ذلك يتعلق بالعمل، أو الحكومة، أو أفراد أسرتنا، أو زملائنا، أو أي شيء آخر، فإننا نقع تحت وهم نظن فيه أن هؤلاء الناس وتلك الأحداث تحاول أن تلحق بنا الضرر. ما نحتاج بالفعل إلى القيام به هو أن نغير طبيعة علاقتنا بهم. قال الأديب الرائع وليام شكسبير. ( هناك ثمة أوقات هامة في حياة سائر الرجال حيث يقرر أولئك مستقبلهم أما بالنجاح أو بالفشل.. وليس من حقنا أن نلوم نجومنا أو مقامنا الحقير، بل يجب أن نلوم أنفسنا بالذات ).. فالناس والأحداث لا يمكن أن تفعل بنا أي شيء أبداً. كل ما هنالك أنها تطلق مشاعر موجودة داخلنا بالفعل. إذا عدنا للمبدأ الأساسي للحياة، فسنفهم أنه ليس هناك شيء يحدث في هذا العالم لا نسمح بحدوثه في أعماق وعينا. إن ما يحدث لنا يعد انعكاساً لما نعتقدة، وأحياناً تكون تلك الأفكار والمعتقدات عميقة للغاية. فأياً كان ما يجري في أعماقنا يكون له انعكاساته على تجاربنا الخارجية وواقعنا، حتى بالرغم من أننا قد لا نكون واعين بذلك. أعرف أن هذا المبدأ يصعب قبوله لأنه لا شك في أن هناك أشياء في ح